البيئة التعلمية و التعليمية الناجحة للطلبة الموهوبين و مؤشرات نجاحها

     محمد طالب أجمع كل من قام بتدريسه بأن لديه مشكلات تحصيلية  ، مثير للمشاكل ،  قائد لزملائه في الصف في كل موقف تمردي …..تتفاقم هذه المشكلات و تصبح مترامية الأطراف بوجود معلم أو إدارة مدرسية أو مرشد طلابي قد يجهل كل منهم طرق التعامل التربوية و الإرشادية معه و الوقوف على المسببات المؤدية إلى مثل هذه المشكلات ،  …..مواقف و مشكلات  تتكرر كثيرا نكاد نجزم بأنه قد تعودت مسامعنا بأن تطرق بأمثالها ،  إن القضية التربوية الكبرى لاتتمثل في محمد ذاته أو في س من الطلبة ،  فهي أكبر بكثير من ذلك ! ،  و ليس من العدل إلقاء اللوم على محمد و المستوى الصفي المتأخر الذي ينجزه أو في المشكلات التي يثيرها …، فأمثال محمد كثر في المجتمعات المدرسية!،  فالانفجار المعلوماتي و التقدم التكنولوجي أحدث تغيرات كثيرة في البيئة التعلمية الصفية و التي يفترض أن يطلق عليها بيئة مثالية حاضنة لأبنائنا الطلبة ، حيث تعددت الاهتمامات و الاحتياجات الطلابية ،  و مع هذا التقدم علينا أن نتوقع أن مانراه ملائما تربويا اليوم قد يواجه انتقادات عدة مستقبلا نتيجة لهذا التطور !، فهذه الاحتياجات و المواهب نمائية وفقا لمتطلبات العصر المطرد في تطوره .

     إن قضيتنا الأساسية هي كيف نواجه هذا التقدم في ظل السياسات التربوية و الثقافات المجتمعية و التعليمية السائدة ،  و كيف نغير البيئة التعلمية و التعليمية التي ينتمي إليها أبنائنا الطلبة ،  فمن واجبهم علينا كتربويين أن نقدم لهم الدعم والمساندة بالشكل الذي يلبي احتياجاتهم و يتفق مع ميولهم و تفصيلاتهم التعلمية ، لذا …. سنحاول في هذه المقالة أن نفكر معا كيف نكون بيئة تعلمية حاضنة لأبنائنا الطلبة الموهوبين ، و كيف يمكن تحويلها إلى بيئة منتجة بمقاييس عالية الجودة ، و بالتالي علينا أن نحدد ما هي مؤشرات النجاح لها ،  مع ضرورة  أن لا نغفل عن التصور المستقبلي لأبنائنا الطلبة لمفهوم هذه البيئة و رسمها بطريقة تتناغم مع تطلعاتهم و تعكس ألوانها احتياجاتهم و أهدافهم المستقبلية ، و أقترح أن نركز على مراحل أساسية سنتحدث عنها بالتفصيل في سياق العرض التالي  :-

13

أولا / التخطيط لبيئة تعلمية مناسبة

     يجب أن تنطلق عملية التخطيط لبيئة تعلمية ناجحة للطلبة الموهوبين من واقع المعارف و المعلومات و الأنشطة التي يجب أن يلم بها المتعلم ، و تكون ضمن جدول زمني محدد ،كما أنها يجب أن تتوافق مع احتياجات و ميول المتعلمين وخاصة الموهوبين منهم حيث يجب أن يراعى فيها التالي (karnes & bean, 2005     ) :-

  1. الثقافات المتنوعة .
  2. مفهوم الموهبة .
  3. قيم المجتمع الثقافية .
  4. تنوع القدرات للمتعلمين و خاصة الموهوبين منهم .
  5. اتجاهات المعلمين نحو الأقليات و الثقافات الأخرى .

كما يجب أن تتضمن عملية التخطيط العناصر التالية /

  1. تحديد الرؤية و الرسالة التعليمية : حيث يجب أن يدرك المعلمون على وجه الخصوص أهميتهما و ترجمتهما على أرض الواقع إلى سلوكيات تعليمية هادفة .
  2. صياغة الأهداف المحددة و الواقعية و القائمة على الإيمان العميق بالرؤية و الرسالة الخاصة بتربية و تعليم الموهوبين مع ضرورة وضع مؤشرات لتحقيقها وفق جدول زمني محدد .
  3. تحديد الأدوار بالنسبة للمعلم و المتعلم و التي يجب أن توافق الأهداف التي تم التخطيط لها منذ بداية العملية التعليمية ، كما تتطلب من المعلمين معرفة خصائص المتعلمين للعمل على أساس تحقيق الإشباع التام لها .
  4. إعداد الخطط التأهيلية و التدريبية لكافة القائمين على العملية التعليمية (مشرف ، مدير المدرسة ، معلم الطلبة الموهوبين ، المرشد الطلابي ) بحيث تشمل خطط التدريب العناصر التالية (الموهبة والنظريات الخاصة بها ، طرق التعرف على الطلبة الموهوبين ، تكييف المحتوى بما يتلاءم مع احتياجات و ميول و قدرات و تفضيلات الطلبة الموهوبين ، طرق التدريس الملائمة للطلبة الموهوبين ، طرق التقويم ، الإرشاد و التوجيه الطلابي …الخ ) حسب الاختصاص .
  5. تصميم البيئة المادية و إعداد الإمكانات الطبيعية التي تسمح بحرية الحركة و العمل للمتعلمين كأفراد أو كمجموعات متنوعة حسب نوع الخبرات التعلمية المطلوب إكسابها لهم ، الأمر الذي من شأنه تعميق فهم الطلبة الموهوبين وضمان المشاركة الفاعلة لهم في عملية التعلم و التعليم  .
  6. التخطيط لمحتوى مرن قابل للتوسع الأفقي و الرأسي بما يتفق مع الأهداف التربوية و التعلمية المحددة مسبقا بحيث يركز على المتعلم ، و بما يتناسب مع احتياجات و ميول الطلبة الموهوبين ، و ينطلق من (المفاهيم ، المبادئ ، المهارات) الأساسية التي يجب أن يتعلمها الطلبة .
  7. تحديد طرق التدريس الملائمة و التي تهدف إلى توظيف المتعلمين إلى أقصى حد ممكن و مشاركتهم في إنجاح العملية التعليمية و بما يتناسب مع احتياجات الطلبة الموهوبين .
  8. تحديد الأنشطة التعليمية التي تهدف إلى تفريد التعليم و تنمية التعلم الذاتي لدى المتعلمين و ربطها بالمشكلات الواقعية التي يواجهونها في حياتهم اليومية مع ضمان توفر عنصر الإرشاد و التوجيه لهم أثناء عملية التعلم .
  9. تحديد الوسائل التعليمية التي تتيح للمتعلمين المشاركة الفاعلة في عملية التعلم و التعليم .
  10. تحديد مصادر التعلم المتاحة التي يقترح الرجوع إليها للحصول على المعرفة .

 

ثانيا / تنفيذ العمليات المناسبة :

     في هذه المرحلة يتم ترجمة عناصر المرحلة السابقة ( التخطيط )  إلى عمليات و مخرجات تعليمية تنطلق من الوعي التام بالرؤية و الرسالة التربوية القائمة على تعليم الموهوبين و تعميقها و تأصيلها لدى المعلمين و المتعلمين على حد سواء  ،و هنا لابد من إدخال بعض التعديلات و المثيرات و التي تعد نقاط الارتكاز الأساسية في غرفة الصف  لتحقيق البيئة التعلمية الناجحة حيث سنوضح من خلالها مؤشر النجاح لكل منها كالتالي (الفتلاوي ، 2006):-

  1. تنفيذ الأهداف التعلمية و التربوية للطلبة الموهوبين و ربطها بالواقع الفعلي من شأنه أن يحفز الطلبة الموهوبين للمشاركة في العملية التعليمة لإيمانهم العميق بالعوائد التي سيجنونها من هذه العملية .
  2. تصميم المحتوى المعرفي المرن و المرتبط بالمجالات المعرفية في العلوم على اختلاف أنواعها مع ضرورة الربط فيما بينها ، و توظيفه بالشكل الذي يتيح الفرص للمتعلمين للمشاركة بإيجابية في عملية التعلم و التعليم من خلال الحوار و النقاش وإجراء التجارب و البحوث و الدراسات الفردية أو الجماعية ، كما يجب أن يراعى عند تخطيطه التركيز على المتعلم و ما هي (المفاهيم ، المبادئ ، المهارات ) التي يجب أن يتعلمها من خلاله مع ضرورة تدعيمه بمهارات التفكير العليا ، وتدرجه في مستوى الصعوبة و التعقيد بما يتلاءم مع الطلبة الموهوبين على اختلاف احتياجاتهم ، و لا ننسى الطلبة الموهوبين ذوي الاحتياجات الخاصة من هذا التصنيف  .
  3. تنفيذ الخطط التأهيلية و التدريبية لكافة القائمين على العملية التعليمية (مشرف ، مدير المدرسة ، معلم الطلبة الموهوبين ، المرشد الطلابي ) .
  4. توجيه الطلبة إلى كيفية الاستفادة من مصادر التعلم لكل من المعلم و المتعلم مثل الكتب و المجلات و التسجيلات الصوتية و البرمجيات الإلكترونية …الخ ،حيث ستمكن المعلمين من التنويع في الخبرات التعليمية حسب مايتناسب مع الحاجات التعليمية و التربوية لطلابهم ، كما سيجعل من كل طالب موهوب باحث و خبير مستقل بذاته .
  5. العناية بالمناخ الصفي و إشاعة الجو الودي و الاحترام و المشاركة في النقاش و الحوار على أن يتم الاتفاق مسبقا على قواعد التفاعل و التعامل مع الجميع و يتم توضيحها من قبل المعلم .
  6. تحفيز المشاركة الفاعلة للطلبة الموهوبين في عملية التعلم من خلال (ربط التعليم و التعلم بالواقع الفعلي لهم ، تقدير إسهاماتهم ، تنويع الأنشطة و الفعاليات سواء الفردية أو الجماعية المتنوعة ، طرح الأسئلة الصفية المثيرة للتفكير ، ممارسة طرائق و أساليب متنوعة لتنشيط عملية التعليم و التعلم بالعمل الفردي و الجماعي ، دعم إبداعاتهم ، تحدي قدراتهم ، تدريب و تأهيل معلمي الطلبة الموهوبين ) ، له الدور الأكبر في دعم العملية التعليمية و زيادة من فاعليتها و حيويتها .

 ثالثا / تقويم بيئة التعلم :

     إن عملية التقويم لبيئة التعلم تتخطى مفهوم القياس الكمي ، و هي مرحلة تعمل بشكل تكاملي مع المرحلتين السابقتين ، لذلك لابد من اختيار أساليب و أدوات تقويم مناسبة لكافة الجوانب و المواقف و الأنماط التعليمية التعلمية للطلبة الموهوبين ، و من خلالها يتم التأكد من تحقيق نجاح العملية التعليمية  و تشمل هذه العملية ثلاثة خطوات أساسية كالتالي (  الجغيمان ،و الخزاعله  ،  2011 ):-

  1. التقويم التشخيصي : و يتم قبل القيام بالعملية التعليمية ، و من خلاله يتم تحديد مستوى المعارف و الخبرات التعلمية السابقة للطلبة الموهوبين و تمكين المعلمين من التخطيط لتحقيق تعلم أفضل لهم مستقبلا .
  2. التقويم التكويني : و يتم أثناء القيام بالعملية التعليمية ، و من خلاله يتم تحديد مستوى المعرفة و المفاهيم و المهارات التي يتم تعلمها في مجال معرفي معين و يساعد في تمكين الطلبة الموهوبين في المستوى المعرفي المطلوب .
  3. التقويم الختامي : و يتم بعد الانتهاء من العملية التعليمية ، و من خلاله يتم اتخاذ القرارات من قبل المعلمين مدى أهلية الطلبة الموهوبين للترفيع من المستوى الحالي إلى مستوى يتناسب مع قدراتهم التعلمية.

و لضمان حصول تعلم عالي الجودة للطلبة الموهوبين يجب أن تتم التغذية الراجعة لهم من قبل المعلمين بشكل مستمر خلال المراحل الثلاث السابقة الذكر ، كما أن عملية التقويم يجب أن تكون لكل عنصر من عناصر البيئة التعليمية بهدف تصويب الإجراءات و تصحيح المسارات أولا بأول ، إضافة إلى تركيز المعلمين على طبيعة المهام و طريقة المعالجة الذهنية و مهارات التفكير التي يجب تعليمها للطلبة الموهوبين ، خضوع التقويم لخطة شاملة يتم فيها تحديد أهداف التقويم وأوليات العمل و تحديد الوسائل و الأدوات و الخطوات التنفيذية لهذه العملية .

الخلاصة :

  1. إن تغيير البيئة التعلمية للطلبة الموهوبين بالشكل الذي يحقق أهدافها يجب أن ينطلق من ثقافتنا التربوية المرتبطة بإيماننا العميق بأهمية هذه الفئة و العمل معا من أجل إحداث التغيير الأفضل لها .
  2. إن ثقافة التغيير التي تحقق البيئة التعلمية الناجحة للطلبة الموهوبين داخل المدرسة يجب أن تبدأ من الإدارة المدرسية و من ثم المعلمين و المتعلمين ، و يجب أن تركز على معرفة خصائص و استعدادات و احتياجات الطلبة الموهوبين و كيفية تغذيتها .
  3. إن المراحل الثلاث (التخطيط ، التنفيذ ، التقويم ) على الترتيب تعمل بشكل تكاملي لضمان نجاح البيئة التعلمية و التعليمية للطلبة الموهوبين ، كما أنها ستضمن لنا إجراء التغييرات الملائمة في (المحتوى ، و العمليات ، المنتج )   
  4. إن مؤشرات النجاح الأساسية للبيئة التعلمية و التعليمية الحاضنة للطلبة الموهوبين و التي سنضمن من خلالها تحول هذه البيئة إلى بيئة منتجة ذات جودة عالية هي قدرتها على إيجاد المتعلم القادر على تكوين البيئة التعلمية الناجحة له من خلال المشاركة بإيجابية و فعالية في العملية التعليمية بما يحقق التطوير الأمثل لها فهو (مخطط ، منفذ ، مقوم ) ، كما أنه يستطيع العمل بشكل مستقل و بطريقة تماثل طريقة المتخصصين في المجال المعرفي الموهوب فيه.

 

أعتقد أنه بإمكاننا أن نبني معا و نطور البيئة التعلمية و التعليمية المنتجة للطلبة الموهوبين كما يوضحها الشكل (2) أدناه ، و هذا هو تصوري الخاص عنها فهل لي أن أحظى بتصوراتك أيضا  ؟ 

14

                                       بقلم /  مالكه بنت محمد الراجح / إدارة الموهوبات / الأحساء 

4 رأي حول “البيئة التعلمية و التعليمية الناجحة للطلبة الموهوبين و مؤشرات نجاحها”

  1. رائعة جداً مدونتك أستاذه مالكه
    يقول النبي صل الله عليه وسلم :
    من قال جزاك الله خيراً فقد أبلغ في الثناء.
    جزاك الله خيراً يا أستاذتنا على هذه المدونة المفيدة جداً…
    وأنا ممتن لك على كل جهد تقوم به وأتمنى لك التوفيق والإبداع وتحقيق المأمول وأفضل بإذن الله.

    Liked by 1 person

  2. مقال اندمج فيه الخبرة والابداع في التخصص ومعرفة أحتياجات الموهوبين ،، أتمنى أن يصل هذا المقال للمسؤولين في مجال الموهبة بالتعليم ، بارك الله في علمك أ. مالكة

    إعجاب

أضف تعليق